top of page
كريستوف كيشلوفسكي

كريسزتوف كيشلوفكسي:
تجسيد الواقعية

١٩ جمادى الأول، ١٤٤٦

موسيقى من ثلاثية الألوان

Song for the Unification of Europe (Patrice's version)Zbigniew Preisner
00:00 / 05:18

ولد في مدينة وارسو في بولندا عام ١٩٤١، حيث يعتبر كريسزتوف كيشلوفسكي واحداً من عمالقة السينما البولندية بجانب أندريه وجدة، وجيرزي سكوليموفسكي، وكريسزتوف زانوسي، وأنيسكا هولاند، حيث كان مولعاً بالسينما، فقرر دراستها في مدرسة لودز للسينما، ولكنه لم يدخلها إلا بعد المحاولة الثالثة.

 

أول تقدير عالمي حقيقي كان لسلسلة ذا ديكالوج (١٩٨٨) التي تتكون من عشرة أفلام صُورت في الأصل للتلفزيون البولندي بتمويل من ويست جيرماني، حيث تركز السلسلة مشاكل الإسكان في نهاية الحقبة الشيوعية في بولندا للذين أصبحت متشابكة نتيجةً للمعضلات العاطفية التي هي في نفس الوقت شخصية للغاية وإنسانية على مستوى العالم، سلسلة تتكون من عشرة أفلام كل فلم مدته ساعة مستوحى من الوصايا العشر من أجل إلهام موضوعي وبنية شاملة، حُبكت فيها الأفلام ببراعة أظهرت الصراع الأخلاقي والأسئلة الوجودية حول الحياة، والموت، والحب، والكره، والحقيقة، والوقت.

لقطة من فلم A Short Film About Killing

A Short Film About Killing

صوّر الأفلام تسعة مخرجين مختلفين بموسيقى من تأليف زبيغنيو بريسنر وكتابة كرزيستوف بيسيويتش للسيناريوهات وهما متعاونان ملتزمان، ويضم كذلك عروضًا مقنعة لممثلين بولنديين معروفين وغير معروفين، ويستكشف ذا ديكالوج القوى المجهولة التي تشكل حياتنا.عمل فني عظيم أصبح بجدارة أحد أهم أعظم الأعمال في القرن العشرين في رواية القصة البصرية، مما جذب ١٥ مليون مشاهدة عندما عرض في بولندا وفقاً للمخرج، وحصل على عدة جوائز منها جائزة فيربيسكي (FIPRESCI) في مهرجان البندقية مما أدّى إلى توسيع حلقتين لتشمل طول الفلم للإصدار الدولي. أحد أفلامه المميزة هو A Short Film About Killing  (١٩٨٨)، وهو فلم يتحدث عن قتل شائب ساخط لسائق أجرة ليحاكم بعدها ويعدم إثر الجريمة، حيث فاز الفلم بجوائز في مهرجان كان وتزامن إصدار الفلم مع إلغاء عقوبة الإعدام في بولندا. "أعتقد أنني أردت أن أخرج هذا الفلم تحديداً لأنه سيكون باسمي، ولأنني عضوٌ من هذا المجتمع، ومواطن في بولندا، وإذا تسبب أحد بأذية شخص آخر في هذا البلد فإنه على عاتقي".كان هذا تعليق المخرج في النقاش حول فلمه وكيف يعكس ما يحدث في المجتمع والسياسة في أرضه وأن شخصيات الفلم تعيش تحت رحمة الدولة والظروف المحيطة بهم، كما جادل المخرج بأن كل أفلامه تدور حول الأفراد وليس السياسة باعتباره مسؤلاً عن القلق الأخلاقي في السينما، ولكن من المستحيل إنكار أن أغلب أفلامه وخاصةً الأفلام التي تعكس الوضع السياسي وصراع الشعب البولندي في ذلك الوقت ومن ضمنها ذا ديكالوج.

وعندما ننظر إلى مواضيع وجماليات المخرج في أعماله وكيفية انعكاسها على الالتزام بالواقعية الاجتماعية، يجدر بنا القول بأن كيشلوفسكي بدأ مسيرته كمخرج أفلام وثائقية في بولندا في الستينات والسبعينات، وأيضاً العمل في التلفاز والتركيز على الحياة اليومية لسكان المدينة، والعمال، والجنود، كما أنه لم يكن معروفا على أنه مخرج أفلام سياسية، ولكن سرعان ما اكتشف أن تصوير الحياة اليومية للشعب البولندي قد جلبت له المشاكل من السلطات. وأظهر فلم Workers ’71 (١٩٧١) العمال يخوضون نقاشاً حول الإضرابات الجماعية سنة ١٩٧٠، حيث عُرض ولكن برقابة عالية جداً عليه، تحولت بعد ذلك كاميرا المخرج إلى العمال نفسهم في فلم Curriculum Vitae (١٩٧٥)، وهو فلم يدمج ما بين التصوير الوثائقي للاجتماعات السياسية بقصة عملية حول رجل يخضع للتدقيق من المسؤولين، وعلى الرغم من اعتقاد كيشلوفسكي أن رسالة الفلم كانت مناهضة للسلطوية، إلا أن زملاءه انتقدوه بسبب تعاونه مع الحكومة في إنتاجه للفلم.أعلن كيشلوفسكي لاحقاً أنه لن يصور أفلاماً وثائقية بسبب عدة تجارب، أولها الرقابة على فلم Workers ‘71، مما جعله يشكك في ماهية الحقيقة التي ستسرد تحت الحكم السلطوي، والسبب الثاني هو حادثة خلال تصوير فلم Station (١٩٨٠) حين كادت لقطاته أن تستخدم كأدلة في قضية إجرامية، حيث قرر المخرج استخدام الخيال والذي سيسمح له بالحرية الفنية وحكاية تفاصيل الحياة اليومية بصدق أكثر وتدخل أقل، كما تطورت أساليبه بأصالة أكثر مما كانت في الوثائقية، إضافةً إلى مبدأ الالتزام بأن الأفلام يجب أن تتطور من خلال الأفكار وليس الأفعال، وكانت أعمال المخرج كين لاوش وخصوصاً فلم Kes (١٩٦٩) ملهمة له فيما كان يطمح لتحقيقه. "هناك شيء في ذلك الفلم كنت دوماً مهتماً بشأنه، فلم وثائقي باستخدام أساليب الفلم الخيالي". حيث سلك الطريق المعتاد للخيال في بولندا، عن طريق صنع دراما تلفزيونية مدتها نصف ساعة مثل Pedestrian Subway (١٩٧٥) وPersonel (١٩٧٥) وهو عمل رآه كيشلوفكسي على أنه غير أصيل، حيث أخرج بعدها فلماً روائياً طويلاً اسمه The Scar (١٩٧٦)، وهو فلم عُرّف أنه نسخة جديدة من الموجة الاجتماعية الواقعية، ويحكي الاضطرابات التي شهدتها قرية صغيرة بسبب مشروع صناعي سيئ التخطيط وإنشاء مصنع كيميائي جديد، وكان الممثل فرانسيسزيك بياتسكا بدور بيدنارز المسؤول عن المصنع، وهو رجل شريف اعتقد بأنه يستطيع خدمة أهل قريته في وجه البرجوازية، ولكن أنانية أهل القرية بددت ذلك، ويعج الفلم بالأفكار والأهداف الذي لم يحظ بالاحترام العالي من صانعه."عدة أسباب جعلته فلماً غير جيد، ولا شك أن العيب الأول الذي يفسد عدة أفلام هي الكتابة، كان الفلم مبنياً على تقرير يحتوي على عدة حقائق كتبه صحفي يدعى كاراش، ولكنني حدت عن التقرير بشكل كبير لأنه كان علي بناء الأحداث، والحبكة، والشخصية، ولم أكن موفقاً في ذلك". صُنّف فلم Camera Buff (١٩٧٩) على أنه فلم تطور كثيراً من خلاله في الأسلوب الخيالي وأيضاً أنبأ الغرب عن موهبته، ويتحدث الفلم عن فيليب موز (جيرزي ستور) وهو عامل مصنع اشترى كاميرا ٨ ملم ليصور طفله المولود حديثاً، وكن يُبهر فيليب بطريقة تصوير الحياة على الكاميرا فيبدأ باستخدامها ليصور الحياة في المصنع الذي يعمل فيه، وفي حين لمعان موهبته، يتلقى تقديراً ويفوز بجوائز، ولكن تفانيه للكاميرا يسبب له مشاكل في حياته الشخصية وتبدأ المتاعب بعدها تلاحقه في عمله عندما تقع أحد أفلامه في يدي مديره المباشر، حيث ينتهي الفلم بتدمير موز لكل أفلامه، ويُظهر هذا مبدأ كيشلوفسكي في أن كل الأفعال لابد أن تصل إلى نهاية منطقية، وفلم Camera Buff يستلهم فكرة كيف أن الحياة بمساعدة التقنية تسبب الاحتراق في النهاية من فلم Peeping Tom (١٩٦٠)، والمخرج الأرميني آتوم إيجويان ليس ببعيد عنهما في هذا الأمر، كذلك، كُتب الفلم خصّصيا لجيرزي، والذي في جوهره انعكاس للذات ومتأمل للصعوبات في محاولة التوفيق بين الفلم والحياة ببطولة زانوسي بنفس الاسم في الفلم، وحول السؤال لماذا دمّر فيليب أفلامه، أجاب كيشلوفسكي: "لقد أدرك باعتباره صانع أفلام هاوي أنه وقع في معضلة، وهي إذا ما صنع الأفلام بنية طيبة، قد تؤول هذه الأفلام إلى الناس الذين ينوون استخدامها بنية خبيثة". وبفوزه بجائزة الجراند بريكس في مهرجان موسكو العالمي للأفلام، صُنّف Camera Buff من الأفلام المفصلية في مسيرة كيشلوفسكي، ومنذ تلك اللحظة فصاعدًا، لم تظل أفلامه تستحوذ على عين المخرج الوثائقي الثاقبة فحسب، بل وتأخذ في عين الاعتبار أيضاً أسئلة فلسفية تركز بشكل كبير على أفعال الأفراد عوضاً عن المجتمع بأكمله.كان لفلم Blind Chance (١٩٨١) نصيب التطور وأحد ثاني أفلامه الناجحة التي جمعت الجمال والموضوعية بطابع أصيل، حيث يُرى الفلم على أنه أول أعمال المخرج العبقرية ذات الأفكار الخارقة للطبيعة ببصمة سينمائية موهوبة، وكان الفلم مبنياً على التقسيم لثلاثة أجزاء، ويحكي قصة ويتيك (بوغوسلاف ليندا) وهو طالب طب بمستقبل غير واضح المعالم، ويضفي طابعاً درامياً على قصته كأجزاء مختلفة الاحتمالات تبدأ كل القصة في محاولته للحاق بقطار، في الجزء الأول، يلحق ويتيك بالقطار ويصبح عضواً من الحزب الشيوعي بعد الاجتماع بأعضاء الحزب على متنه، ولكن يُلقى القبض عليه في الجزء الثاني بعد ركضه للمحاولة في اللحاق بالقطار ويُحكم عليه بالعمل الشاق في المعسكرات ليصبح بعدها عضواً ناشطاً في المعارضة، أما في الجزء الأخير فلا يلحق القطار ويبدأ علاقة عاطفية مع زميلته في الكلية ليتزوج ويعيش حياة بعيدة عن السياسة بالعمل كطبيب.

لقطة من فلم The Double Life of Veronique

The Double Life of Veronique

قُمع الفلم بعد اقتراحه أن الصدف تؤثر على حياتنا مثل ما تفعل الاختيارات، وخضع للرقابة بعدها من الحكومة البولندية، كما أن كيشلوفسكي رأى أن هذا الفلم يُعتبر تحسن كبير مقارنة بأعماله الأخرى في فئة أفلام الخيال الطويلة، حيث كان لازال يصنع أفلاماً وثائقية إضافة إلى الأفلام الطويلة ومسلسلات التلفاز، ولكن كان انتقاده شديداً وغير رحيماً لأفلامه بوصفها معيبة خصوصاً في الحبكة وكتابة السيناريو، ومع ذلك كان يصف البذرة الأساسية لأفلامه بعد ذلك على أنها غنية ومثيرة للاهتمام، خصوصاً في الطريقة التي مكنته من اختبار كيف أن القوى الخارقة للطبيعة تؤثر على قدرنا، حيث كان بلا شك العمل الذي أدى إلى نشأة الاهتمام الموضوعي بالعمل والاهتمام بالقصص ذات السياق السامي والمشاريع ذات النطاق الواسع التي تتقاطع وتتصل.يظهر شبح محامي شاب اسمه أنتيك في فلم No End (١٩٨٤) ليحلل معالم العيش عام ١٩٨٢ خلال فترة الحكم العسكري في بولندا، وبمساعدة زوجته أُولا (جرازينا زابولوفسكا والتي مثلت أيضاً في فلم A Short Film About Killing)، حيث تجد قضية أحد موكليه السابقين وهو شخص أُتهم بالانتماء لحزب المعارضة وتعطيها لأحد زملاء زوجها، وهو محامي عجوز ذا خبرة عالية، ولكن أولا تعاني دون زوجها من الحياة القاسية وتضطر لاتخاذ قرارات صعبة.قصة أصلية بمستوى عالي ممزوجة بين قصة الشبح، والدراما السياسية، والتأمل في طبيعة الحب الذي يحترق مع الارتباط العاطفي بالنظام، وكان No End أول تعاون بين كيشلوفسكي  وبيسيويتش وبريسنر، حيث كان عملاً عطوفاً، وروحياً، ورقيقاً، كما أنه حظي بتقدير كبير من النقاد في الغرب عند إصداره على الرغم من أنه لم يُصدر عالمياً حتى عام ١٩٨٦، كما تلقى احتفاءً بسبب تصنيفه أحد أرقى أفلام السينما الأوروبية المعاصرة.وكانت آخر أربعة أفلام لكيشلوفسكي تبرهن نجاحه التجاري، حيث كانت عالمية النطاق والتمويل، واستمرت في التركيز على القضايا الأخلاقية والخارقة للطبيعة على المستوى المجرد، وكثيرًا ما عادت إلى ملاحظة الصدفة في الطريقة التي يتعامل معها الناس على المستوى المادي والروحاني، وكان فلم The Double Life of Veronique (١٩٩١) أحد أقرب الأفلام إلى قلبه، حيث يتأمل بشكل ساحر في الهوية، والحب، والنوايا البشرية، وصنع كيشلوفكسي واحداً من أنقى الأعمال الخارقة للطبيعة أصالةً في عالم السينما، بمساعدة التصوير السينمائي المدهش لسلافومير إدزياك وموسيقى بريسر، وجاءت ثلاثية الألوان The Three Colors Trilogy بعد هذا الفلم الرائع، حيث عاد المخرج في هذه الثلاثية للمنظور الطموح ومتعدد الجوانب لذا ديكالوج، كما سميت على ألوان العلم الفرنسي والتي ترمز إلى مبادئ الثورة الفرنسية، الحرية، والمساواة، والأخوة، ولكن هذا بالكاد يبدأ شرح غموضها الجميل والمليء بالإنسانية.تتمحور ثلاثية أفلام أحمر وأبيض وأزرق حول مجموعة من الأشخاص المترابطين بشكل غامض يتعرضون لمشاكل شخصية عميقة، صُوّر الفلم في باريس، ووارسو، وجنيف، وينتقل بين التراجيديا والكوميديا والتي تتميز بالتصوير السينمائي المبهر، وكتابة بيسيويتش وموسيقى زبيغنيو بريسنر مرة أخرى، كما يتضمن الكادر نجوم عالميين مثل جولييت بينوش، وجولي ديلبي، وإيرين جاكوب، وجان لويس ترينتينانت، وتعتبر ثلاثية الألوان لكيشلوفسكي واحدة من أفضل الأعمال في السينما الأوروبية. على الرغم من فوزه بعدة جوائز في فينيس وبرلين والحصول على ترشيحي أوسكار في فئتي أفضل نص أصلي وأفصل إخراج، إلّا أن كيشلوفسكي أُنهك كلّياً بعدما صنع ١٤ فلم من عام ١٩٧٥ حتى ١٩٩٤، وعلى الرغم من أنه تقاعد، إلّا أنه عاد للعمل بعدها للعمل على ثلاثية من بيسيويتش مبنية على مبدأ الجنة، والنار، والحساب، وفي عمر ٥٤، أصيب بسكتة قلبية توفي إثرها خلال إجراء عملية قلب مفتوح.

© 2024 by Omar Aljaghthami.

bottom of page