top of page
Photo of Andrzej Wajda

مقابلة: أندريه وجدا

الصحفي دان ياكر، طبعة نوفمبر-ديسمبر ١٩٨٤

٢٦ جمادى الأول، ١٤٤٦

موسيقى من فلم Man of Iron

Man of Iron SoundtrackAndrzej Korzyński
00:00 / 04:51

لم يضع أندريه وجدا بصمته على الوعي الجمعي عند البولنديين على مدى الثلاثة العقود الماضية فحسب، بل حتى على تاريخ الأمة الحالي أيضاً، حيث كان فلمه المشهور Man of Iron (١٩٨١) تكريماً لحركة تكافل المهاجرين، إذ كان نادراً لأي فلم أن يكون بمعنيين.

ولكن إذا كان التاريخ سيخلد هذا العمل على أنه أهم أعماله، إلا أن عشاق الأفلام قد يفضلون تحفته Ashes and Daimons  (١٩٥٨) بتمثيل النجم المشبه بجيمس دين، زبيغنيو سيبولسكي، وهو شاب مرتبك يحارب ضد النظام الشيوعي حديث النشأة بعد الحرب، وكان التوازن الجمالي الذي كان في فلمي وجدا اللاحقين Everything for Sale (١٩٦٨) وMan of Marble (١٩٧٧) جلياً، حيث ينقب الأول عن مشهد السينما في وارسو باختفاء شخصية يؤدّيها دانييل أولبريشسكي بشخصية تشبه سيبولسكي مما يتسبب في العديد من المشاكل.

Canal

ويتحدث Man of Marble عن المشهد السينمائي والسياسي بعد ستالين، وكانت أفلامه الأخيرة Danton (١٩٨٢) وA Love in Germany، مقتبسه عن رواية رولف هوشهوث، وهي تدور حول حب محرم بين صاحبة متجر ألمانية ومواطن بولندي، في ألمانيا النازية، كما أنها تضمنت الثقل الأدبي الذي كان من المفترض أن تحتويه.

وعلى غير عادة زملائه المخرجين، كان أندريه وجدا يفضل العمل في بلده بولندا وظل يتمسك حتى اليوم بمصطلح الواقعية الأدبية، وهو مصطلح يستخدمه ليصف أسلوبه السينمائي عندما تبدلت المناظر الطبيعية في أفلامه الأولى بتضاريس مستوية وملحمية، كما أنه لا يشعر بالحرج تجاه اعترافه أن واجبه سياسي وأحياناً المشاهد البصرية تأتي ثانياً، كان فلمه القادم بعد المقابلة يتحدث عن يانوش كورزاك وهو طبيب أطفال ومعلم بولندي آوى مجموعة أطفال أيتام في الفترة النازية، كان الكثير منهم يهودياً، وخلال انهماكه طوال الحرب، لا يحاول تبرئة نفسه، فالرجل لديه ضمير.
 

وإذا كانت الأحداث الأخيرة ستجعل وجدا بعمر ٥٨ علامةً سينمائية بدلاً عن النقاد، فسيكون هذا ممتازاً، وحتى بعمله في خارج بولندا لا يزال أمله -وربما الوحيد- في السينما البولندية.

Man of Iron

على غير العادة في أفلامك الأخرى، أظهرت الوجه الآخر للفاشية في A Love In Germany ومدى تأثيرها في حياة الطبقة المتوسطة عكس ظهورها في الأعمال الأخرى.

صحيح، فحتى يكون هناك نظام شمولي، يجب أن يُوحد كل شيء يخدم هذه الغاية، فكل عنصر وكل فرد يجب أن يطيعه، والنظام يجب أن يكون قادراً على دخول مطبخك وغرفة نومك ليكون فعّالاً، وعندما لا يكون هناك عدو تحرض الشعب عليه، لا يستطيع النظام توحيد الشعب، فالنظام بدوره يصنع العدو، وهنا العدو هو الشعب البولندي، وهم لا يستطيعون تهديد النظام طبعاً، لكن كل ما يفعله هو أن ينام مع امرأة ألمانية مما يخدم الغاية لذلك. قبل ذلك، كنت فقط أستطيع تناول الأثر الناتج من الشمولية على الضحايا، ولكنني أردت الآن أن أظهره من الجانب الألماني، لأن هذا ما يثير اهتمامي، أردت أن أظهر الشر حتى لا يحدث مرة أخرى، وأعتقد أنه مهم وذو صلة بالموضوع مثل أي وقت مضى، حيث إن الشمولية لا تزال تظهر، ولكن في أشكال أخرى.

هل يتضمن ذلك، ربما، بولندا نفسها مثلما أظهرته في Man of Iron؟


نعم، غالباً خلال فترة ستالين، وأعتقد أن الفرد يجب أن يجابه القيود، في أي مكان وكل مكان تحاول الدولة فيه أن تسيطر على الأفراد.

هل ترى أن هناك أملاً للحرية الشخصية والفنية في أوروبا الشرقية -بالتحديد في بولندا- نظراً للوضع الحالي؟

هي بلدي وأنا أحاول أن أحصل على إمكانية العمل هناك بحرية، وهذا الأمر من حقي.

ألا يتضمن الأمر معاناة دائمة ضد النظام، والتي ليست بالضرورة أن تكون عاطفية نظراً للطبيعة النقدية للكثير من أفلامك؟

بالطبع، ولكن هذا واجبي أيضاً. فالحرية بعد كل هذا مثل القيود؛ هي تعتمد على الناس وكم ينوون العيش معها.

من خبرتك، هل أثّرت أي من أفلامك على نظرة الناس تجاه السياسة، وهل ربما وسعت مفهوم الحرية شيئاً ما؟

يجب عليّ قول نعم، لأنني إذا لم أؤمن بذلك، فلن يكون لدي الجَلد والشجاعة لصنع أفلام كهذه، وأعتقد أن أكبر تأثير كان من نصيب فلم Man of Iron، وجوهر الأفلام السياسية هو التحدث عمّا يصعب الحديث عنه؛ كشف ما يحدث خلف الكواليس.

يجب على صناع الأفلام في دولة مثل بولندا أن يجدوا طرقاً للتعبير عن هذه الأشياء بحرَفية وبطريقة غير مباشرة -هل تعتبر هذا تحدياً بالرغم من أن Man of Iron كان مباشراً؟

نعم، ولكن هذا أيضاً يعقد حياة الفنانين ويجعل الفن لا يتمتع بالحرية الكافية، لأن هذا أمر غير صحي فنحن نتواصل مع بعضنا بلغة لا تفهمها إلا نفوسنا، حيث إن الفن لغة عالمية، ولكن بعدها لن نجد أنفسنا في وضع صحي تحديداً، كما أنها مهنتنا هي أن نصنع أفلام لا يمكن لأحد غيرنا صنعها لنا نحن صناع الأفلام البولنديين، وحتى نعرضها في كل مكان بعد بولندا.

في هذه الحالة، هل Danton وA Love in Germany رغماً عن هويتهم غير البولندية، إلّا أنهما صنعا للشعب البولندي، وكان من المفترض أن يكون فيهما دلالة على بولندا؟

أميل لفلم Danton على A love in Germany في هذا الموضوع، حيث أُستقبل بهذه الطريقة في بولندا، كما أنه عُرض في كل مكان وكل الناس فهموه، كذلك، يسألني الناس إذا ما كان Danton يمثل النظام في ويلسا وروبيسبري، هو أكثر تعقيداً من هذا، فالناس يرون آلة تدمرهم خوفاً من المستقبل، والنظام يرى الوضع الذي يكون فيه الصراع على السلطة مطمحاً بحد ذاته.

danton.webp

Danton

كيف ترى منظور حركة التكافل هذه الأيام؟

الوضع في بولندا صعب جداً الآن لوصفه، فنحن في مرحلة غير مستقرة، ننتظر ما سيحدث، فالمفتاح للسؤال البولندي ليس في يدنا؛ فقط التغييرات من الخارج قد تحدث فرقاً في بولندا.

ماهي ردة الفعل على أفلامك في الاتحاد السوفيتي؟

الأفلام الأخيرة لم تعرض هناك، ولكنني أعلم بأن لدي جماهير غفيرةً هناك، وأعتقد أيضاً بأن أفلامي لها صدى عند الناس هناك.

ما الذي تعمل به؟ ماذا يلهمك؟

للمخرج خياران: صنع أفلام حول ما يراه من حوله أو أن يركز على إبداعه فحسب، أنا أصنع الأفلام لسبب، فما يشغل الناس شيء مهم، وأنا عندما أريد التحدث، أقوله بكلمات مختلفة -مثل The Birch Wood أوLandscape After Battle أو Man of Marble أو Danton، أنا لم أبدأ هذا الأمر، هو فقط يتماشى مع ما يحدث في الخارج.

حساسيتك شخصية جداً، متى شعرت أنك اقتربت من التعبير عما بداخلك من خلال عملك؟

سأقول في فلم Everything for Sale وWithout Anesthesia، حتى لو لم تبدو أنها أهم أعمالي، إلا أنني أجد نفسي بصدق عندما يكون هناك وضعٌ أود الهروب منه، وهذا الوضع هو عندما بدأت من الصفر.

ماذا كنت تود الهروب منه في هذه الحالات؟

صنعت فلم Everything for Sale لأنني كنت في وضع صعبٍ ذلك الوقت، بعد نجاح أفلامي الثلاثة الأولى، والتي أذاعت صيتي، صنعت عدة أفلام لم تنجح، وهي Innocent Sorcerers، وSamson، وSiberian Lady Macbeth، وThe Gates of Paradise... لم تؤدّ جيداً وقررت بعدها أن أبدأ من جديد، وأردت أن أعتمد على نفسي، حيث كان طبيعياً لي بأن أصنع فلماً عن صناعة الأفلام -عن مشاكلي الشخصية وعن شخصيتي وجمهوري ونضالي.

أما فلم Without Anesthesia فكان قصة مختلفة، حيث صنعته عندما أدرك النظام أن السلطات الأخرى مثل سلطة الفن كان يهدده، وكان عليه أن يقلل من هذا التهديد لأجل أن يزدهر، ثم فجأة لم يعد هناك حياة اجتماعية في قسم الجامعة الذي كنت أدرس فيه، وكان علي أن أناضل.

 

ولكنني أحياناً أفضل أن أبدأ من الصفر، وهذا ببساطة لأنه يجب أن أفهم الجمهور، فأنا أصنع الأفلام منذ ثلاثين عاماً، والكثير تغير منذ ذلك الوقت، خصوصاً جمهور السينما، حيث إن المخرج الذي يريد تحقيق سمعة عالمية لأجل ألا يكفّ عن الصناعة، ولكن أفلامه بلغة يتحدثها قليل في بلد صغير، لن يستمر في فعل ذلك

 

كيف تستمر في التواصل مع الجمهور؟

أفكر في الجمهور كما أفكر في نفسي، فهم ليسوا أذكى ولا أغبى مني، ولا أفضل أو أسوأ، هكذا أرى نفسي معهم.

بالطبع هناك الكثير من الصدف الجيدة والسيئة، فأنا كنتُ أجهز فلم Danton منذ سنوات، ولكن إذا صنعته كما أردت منذ خمس أو ست سنوات، فأعتقد أن الشعب الفرنسي لن يقبله على الإطلاق، ولحسن الحظ، أُصدر الفلم عندما أصبحت فرنسا اشتراكية وأصبح شعبها منقسماً حول تغلغل الاشتراكية في حياتهم اليومية، وفلم حول الثورة الفرنسية سيثير الرأي العام، وسيساهم في النقاش ليشعل مشاعر حقيقية.

Everything For Sale

فلم Danton

ساعدت أفلامك الأولى في إنشاء المدرسة البولندية، كيف نشأت المدرسة وكيف صُقلت من خلال هذه الأفلام؟

كانت نشأتها طبيعية، وكانت لسببين، الأول لأن المخرجين كانوا مرغمين على صنع أفلام عن تجربتهم الوحيدة، الحرب. والثاني كان الأدب البولندي حيث ركز على الحرب ولهذا أصبح حليفاً لنا، كما لم تكن الحرب هي الشيء المهم الوحيد في حياتي وحياة أندريه مانك، ولكن أيضاً للكتاب أمثال جيرزي أندريهوسكي [Ashes and Diamonds] وبوروسكي.

حتى لو لم نقتبس من الأدب البولندي، ولكنه ساعدنا في تضمين خلفية مفيدة.

كانت الحرب مريرة لدرجة أني شعرت بأن أفضل طريقة لوصفها هي الأفلام الوثائقية، حيث كانت الحقائق مروعة، وكان أن نصورها بطريقة خيالية صعباً، على كل حال، منذ أن كانت تقاليدنا الفنية والأدبية خيالية، كانت العناصر الوثائقية التي ظهرت في أفلامنا ممزوجة بالخيال، فالصور الباروكية، والمفارقات المريرة، والخيالات في أفلامي كلها صنعتها المدرسة البولندية.

ولكن المدرسة البولندية انتهت بسبب أنها لم تجد موضوعاً جديداً ليطور منها، والموضوع التالي للسينما البولندية كان الستانلية.

كيف لم تجد أفلام على شاكلة Innocent Sorcerers وSamson طريقة لتتقبلها؟

كان يمكن لفلم Innocent Sorcerers أن يكون أكثر تشويقاً، نظراً لأن المواد المستخدمة كانت حديثة -لكن لم يصنع أحد فلماً عن الجيل الجديد في ذلك الوقت-، ولكن لم يكن لدي ممثلين جيدين في ذلك الوقت، والذين كنت أعرفهم كانوا عجزة، ومثل سيبولسكي وسكوليموفسكي كان على أحدهم أن يكون البطل، حيث كانت ستصبح مفاجأة حقاً.

بعدما أنهيت الفلم، لم أعرضه لعام، وعندما عرضته كانت هناك الكثير من التعديلات عليه، حيث كان أمراً عجيباً كيف وجدت السلطات الفلم، كان علي أن أحذف لقطة يشغل فيها البطل الستيريو بقدمه، لقد كان شيئاً غير مقبولاً في دولة اشتراكية كيف لشيء بهذه القيمة العالية وأنه كان هدفاً للحياة ذاتها، وأنت لا تستطيع ألّا تبالي! كما أنه فُسّر أنه نقد على النظرة للعالم، للمستقبل نفسه.

لنتحدث عن الممثلان الملازمان لأعمالك، زبيغنيو سيبولسكي ودانيال أولبريشسكي.

يمثل سيبولسكي جيله أكثر من أي أحد آخر، حيث صنع لنفسه دوراً لا تكاد تفرق فيه بينه وبين حياته الشخصية، فهو أصيل ومن المستحيل أن تجعله يتقمص دوراً غير دوره، ولكن هذه صفاته الخارجية لأن داخله يوجد حس مسؤولية عالية تجاه العامة وهذا ما كان جميلاً لأنني لم أر هذا في أحد سواه. عملت معه مرتين، في A Hatful of Rain وTwo for The Seesaw، وعلي القول بأن هذا يسري في عروقه، ففي الأداء الأول من A Hatful of Rain في كراكوف، وعندما لم يكن يؤدّي جيداً ذهب للمسرح وبدأ التمثيل، ثم فجأة توقف وقال: "اعذروني، لقد ارتكبت خطأً". وأعاد الدور مرة أخرى، لن يجرؤ ممثل آخر على فعل مثل هذا، ولكنه شعر بأن لديه الحق لفعله حيث كانت لديه مخيلة مذهلة. أتعلم أنه كان ضريراً؟ وأن عينيه كانتا بدون تعابير، ولهذا السبب كان الاقتراب من وجهه سيظهر القليل، حيث حاول التعويض عن هذا بالحركة واستخدام خياله، وتوجد لقطة في فلم Ashes and Daimonds حيث كانتا كلتا قدميه أهم شيء في التصوير وهذا ما تخيله، كما أن المخرجين الذين لم يفهموا هذا لم يروا ما كان يميزه في أفلامهم، حتى أن أدواره في أعمالهم كانت جيداً جداً.

لقد مثّل جيلاً كانت الحياة هديةً ومعجزةً في نظره. أما أولبريشسكي فقد كان ينتمي لجيل يعاني من عقدة عدم العيش خلال الحرب -عن فقد أهم حدث في التاريخ البولندي الحديث، فهو ولد في سرداب في وارسو خلال القصف، وانتهت الحرب عندما بلغ عامه الثاني، وبعد الحرب كان الحدث وقتها هو فترة حكم ستالين، ولكن جيله عاش في ظلال ما قبله.

Innocent Sorcerers

ما هو الموضوع الذي جاء بعد ستالين في السينما البولندية؟

حركة التكافل بالتأكيد، كانت الفترة قصيرة ولم تُصنع أفلام كثيرة حولها، ولكنها ستستمر، حيث هناك فلم كريسزتوف كيشلوفكسي الجديد والذي لم يصدر بعد، Happy End.

كيف تجد مشاريعك طريقها؟ Man of Marble على سبيل المثال.

بعد رجوعي من يوغوسلافيا، حيث صنعت أفلاماً لم تنجح مثل Gates of Paradise، قررت أن أبدأ من الصفر مرة أخرى، ومرة أخرى أيضاً كان الفلم حول صناعة الأفلام مقتبساً من قصة حقيقية، حيث سمعت عن بنّاء كان بطلاً وقت ستالين، ولكن بعد ذلك أصبح عاطلاً، وبدأت القصة في التطور، في الحقيقة كانت قبل فلم Everything for Sale، ولكن لم يسمح لي بتصويرها لإحدى عشر عاماً، فقررت صنع الأخرى بدلاً عنها.

ماذا حدث مع فلم Gates of Paradise؟

إنه دائماً لأمر صعب صنع فلم مع ممثلين أجانب في دولة أجنبية، كان الممثلون من بريطانيا وصورنا في يوغوسلافيا، وفوق كل هذا، كان النص أدبياً جداً بملامح غير واضحة، هو فقط لم ينجح.

عملتَ في فرنسا، وألمانيا... كيف ترى العمل في الخارج؟

أنا أعمل في الخارج لأنني مضطر، ولا أفعله والابتسامة تلوح على محياي، ولأنني أعلم مدى صعوبة صنع شيء ذا قيمة، فالممثلون بالخصوص يمكنهم تدمير فلم صُنع في الخارج، ومجموعة من الممثلين بأساليب مختلفة يمكنهم منع المخرج من توحيد المشروع، والنتيجة غالباً شيء خيالي، وحين تريد أن يكون العمل بلغة واحدة، فهذه قصة أخرى.

أنت المخرج البولندي المشهور الوحيد الذي يفضل العمل في دولته، فالمخرجون أمثال بولانسكي، وسكوليموفسكي، وزانوسي، وزولاوسكي كلهم غادروا.

بولانسكي قضيته مختلفة، فهو لم يرد البقاء منذ البداية، حتى أن فلمه الأول الذي أخرجه كان نقطة انطلاقه لأجل التوجه للعالمية.

أما بالنسبة للبقية، فلا أعتقد أن أفلامهم التي صنعوها في الخارج كانت أفضل من التي صنعوها في بولندا، وهذه الأمر صحيح فيما يخص زانوسي وأكيد فيما يخص وزولاوسكي، والأمر يعتمد حينما نتحدث عن سكوليموفسكي، حيث كان Deep Ends جميلاً، ولكني أفضل Bariera وHands Up! على الأفلام الأخرى التي صنعها في أماكن مختلفة، كما أنني أعتقد أن صناع الأفلام هؤلاء يعون ذلك -وهو ليس أمراً مفاجأً، بل طبيعياً.

ألست تؤمن في اختلافات التجاوز الثقافي؟ انظر إلى ميلوس فورمان...

هذا أمرٌ مختلف، أنا معجب بما ساهم فيه فورمان تجاه السينما الأمريكية، ففلم One Flew Over the Cuckoo’s Nest أصبح حقيقةً بفضله، وفلم Wim Wenders’ Paris, Texas أيضاً لم يكن سيخرجه أي مخرج آخر.

Man of Marble

ربما فلم Danton لم يكن سيصنعه أي أحد آخر في فرنسا.

أعتقد أنك محق [يضحك]، لقد جعلتهم في حيرة من أمرهم فالمخرجون الفرنسيون لا يؤمنون بأن الفلم يجب أن يكون جادّاً، حيث يعتقدون أن الموضوع إذا كان جادّاً فسيكون فلماً غير حقيقياً.

 

ما الجديد في مشروعك الذي يتعلق بيانوش كورزاك؟

لقد أردت أن أصنعه منذ سنتين الآن، أأمل أن أتشجع وأبدأ قبل نهاية هذه السنة، أود أن صنع فلماً بولندياً خالصاً.

كتب أنيسكا هولاند نصاً رائعاً جداً عن الفترة الأخيرة في حياته، حيث يبدأ الفلم في صيف عام ١٩٣٩ عندما يكون هو والأطفال الذين معه في عطلة، غير مدركين للرعب الذي يحدق تجاههم، وعندما يرغمون على الانتقال لحي اليهود، يقاتل على حياتهم، لكن هناك معضلة؛ فلقد علّمهم دائما أن يكونوا محترمين، وصادقين، ولا يسرقون -ولكنه يلقى نفسه فجأة في عالم حيث الغش والسرقة من متطلبات النجاة. ماذا عليه أن يفعل؟ إنقاذ أجسادهم أو أرواحهم؟ وفي حين عدم مقدرته على إنقاذ حياتهم على أية حال، فيختار أرواحهم، حيث يضع اسمنتاً على النوافذ ليعزلهم عن الحي اليهودي، ويرفض إنقاذ حياته ليفضل الموت مع تلاميذه، أي المعلمين سيكون إذا ما قرر التخلي عنهم؟

 

نحن لا نعرف بالضبط كيف ماتوا، فلم يكون هناك أية شهود، ينتهي الفلم بصورة شاعرية كادت أن تحوله إلى أسطورة. نرى الأطفال على متن قطار، ثم تنفصل العربة الأخيرة عن القطار فجأة لتتوقف بعد ذلك ببطء.

يجد الأطفال أنفسهم رفقة كورزاك في يوم مشمس وسط حقل قمح، فيبدؤون بالمشي لتبدأ النزاعات ببساطة تدبّ فيهم داخله.

ربما تجد إلهاماً أكبر عندما تنظر للوراء لما يتعلق بالموضوع عوضاً عن التحديق في الحاضر؟
 

من الصعب فعل هذا اليوم... فأنا أواصل النظر لمواضيع أستطيع صنع أفلام حولها في بولندا، ولكن أيضاً لدي ما أريد تصوير في مكان آخر، على سبيل المثال، أود صنع فلم The Possessed in France مع جيرار ديبارديو.
 

ما هو شعور العمل مع ممثلين أمثال جيرار ديبارديو وهانا شيغولا؟

بسيط، كلامهما رائعان -عليهما فقط أن ينالا القبول، ولا توجد طريقة أفضل للعمل معهما إلا من خلال الحوار والصداقة، عليهما أن يؤدّيا دوراً لشخص يقبلهما، أنا أقبلهما، وكلاهما لديه نشاط متفجر، فهما يبذلان كل طاقتهما، وينتبهان لأصغر التفاصيل. هناك بعض المشاكل مع المواد بسبب أن النص ليس جاهزاً تماماً -علينا أن نغير بعض المشاهد والقليل من الحوارات دائماً-، ونحن سنفعلها معاً.

أنت تستمر في ذكر بأن الممثلين عليهم أن يكونوا مقبولين، ربما هذا سبب دخولهم التمثيل، هل توجد مفارقة هنا؟ هل أصبحت مخرجاً لتنال القبول؟

لا أظن هذا، فالمخرج عليه أن يؤمن في نفسه لأنه من يتولى زمام الدفة، ولا يبحث عن القبول من الآخرين.

صحيح، ولكن سبب الرغبة في صناعة الأفلام...

أريد صنع الأفلام التي لا يستطيع أحد صنعها لي، أحب مشاهدة الأفلام، ولكن هناك بعض الأفلام لا يستطيع أحد صنعها، وهذا ما أفعله...

متى أدركت أنك تريد أن تصبح مخرجاً؟ ولماذا الأفلام بالتحديد؟

قلة الشخصية ربما، في البداية أردت أن أصبح رسّاماً، ولكن الرسم يتطلب إيماناً كاملاً في النفس، وأن يتخذ الشخص لنفسه العزلة صديقاً... عليك أن تكون قوياً، وأنا لست كذلك، ولهذا أصبحت مخرجاً، حيث أستطيع التعامل مع الصور، وكان الأمر أسهل من الرسم، ولا أحتاج لأن أكون وحيداً، هناك مصاعب بالتأكيد، حيث إن البحث للوصول لشيء ذو معنى لابد أن يتضمن بعض المشقة، ولكنه أمر هيّن عندما يقارن بوحدة الشاعر أو الكاتب أو الرسام.

كيف كانت طفولتك؟

كانت طفولة القرن التاسع عشر المعتادة، تربيت في حامية كانت تؤوي سريّة فرسان حيث ينتمي والدي، وفي الشتاء كان باستطاعتنا التزلج -كان الأمر يبدو مثل لقطة من فلمJohn Ford، ثم في عام ١٩٣٩، انتهى أسلوب تشيكوبيان الروائي الذي يصف الوجود ببطء.

قلتَ مرة أن الأفلام التي تصنعها ماهي إلا تعويض عن التجارب التي لم تسطع خوضها في الحياة.

صحيح، فتجربتي في الحرب كانت محدودة، فقد كنت في مخيم معتقلين، ولم أستطع أن أكون جزءًا من انتفاضة مخيم اليهود في وارسوا، حيث أصبح أمراً أساسياً لي أن أشاهده على الشاشة.

من أين يأتيك الإلهام؟ ذكرت مرةً إليا كازان، وأورسون ويليس، وحتى فرانسيوس تروفات.

هناك العديد من الأشخاص.... ففي بداية مسيرتي ألهمتني الواقعية الإيطالية الجديدة، من أشخاص أمثال دي سيزا وجيوسوبي دي سانتيس، وأعتقد أن فلم Ashes and Diamonds كان نتيجةً لأفلام نوّير الأمريكية مثل Scarface وThe Asphalt Jungle، كانت هذه أفلاماً جميلة، وأعتقد أيضاً أن فلم Man of Marble كان نتاجاً لإلهام السينما الأمريكية.

Man of Iron

كانت المؤثرات البصرية في Man of Marble قوية للغاية مع حركة الكاميرا الفاخرة، ولكن في Man of Iron لم يكن هناك تركيز كبير على هذه الناحية -ربما بسبب أننا نرى التاريخ في عملية الصناعة.

صحيح، كان الأمر قريباً جداً مننا حيث كان دوري هو ملاحظة ما حدث، وكان الأمر أهم من حركة الكاميرا.

هل لابد من تأطير الموضوع لتهوينه؟

بالتحديد، لم أستطع صنعه إذا ما أخذت العناصر الأسلوبية، وأعتقد أن شخصاً واحداً عليه صنع أفلاماً كثيرة -كما توجد مواضيع تتطلب التعاطي معها فوراً. إذا ما توقفت عن التفكير في ذلك، لكنت خسرت شجاعتي، كذلك فلم Man of Iron كان لابد من صنعه بغض النظر عن استحقاقه السينمائي.

كيف توفق بين الجانب الأدبي والبصري في أعمالك، مثل Danton وA Love in Germany؟

أحاول تقسيم الأفلام إلى أشياء يمكن قولها وإظهارها، كما أنني أحاول أيضاً مشاهدة أكبر قدر ممكن من الأفلام الوثائقية -إضافة إلى الصور، والوثائق لأستطيع إعادة إنشاء القصة، وهذا أمر بالغ الأهمية، كما أن المشهد في دور هانا شيغولا الذي كان عليها أن تحمل فيه لافتة تقول "عاشق بولندا" مقتبسة من صورة حقيقية، كما هو الحال عندما يلعق الطفل مصاصة عليها الصليب المعقوف، وعندما أُظهر أن جلاد ستاني سيكون بولندياً آخر، ومكافأته للإعدام هي ثلاث سجائر، فهذا كله صحيح، حيث وجدت العديد من الوثائق التي في الغالب كُتبت بخط اليد، تؤكد كل شيء كتبه هوخوث.

قررت أن صنع فلم A Love in Germany في نفس السجن الذي وقعت فيه الأحداث، وذهبت بعدها هناك واستكشفت مكاناً جميلاً وهادئاً يتناقض مع اعتداله مع المحتوى الدرامي للفلم، وهذا هو بالضبط التأثير الذي أردته.

ماذا عن حركة الكاميرا؟

حاولت تحريكها وقت الضرورة فقط، وفي فلم Danton أيضاً أردت كاميرا رائعة ترصد الحماسة الثورية التي ينبض بها الناس، كان يجب أن يكون معدل الإطار هادئاً لأجل إظهار مفاجأة الأبطال، حاولت دائما أن أجعل الكاميرا على مستوى العين وأن أستخدم عدسة واحدة، وأيضاً دون الانتقال من لقطة طويلة إلى لقطة قريبة من الوجه لألّا أضيف تعابير بأي طريقة كانت لتكون موضوعية، وكان على التفاعل أن يأتي من التمثيل وحده.

على عكس فلم Everything for Sale.

لقد بدأوا في ذلك الوقت باستخدام عدسة التكبير للأفلام الطويلة والعدسات الطويلة والألوان غير الواضحة... كانت هذه كلها أشياء أصلية في ذلك الوقت، ولهذا استخدمتها، كما كان كلاود ليلوش هو أول من استخدمهم في فلمه A Man and a Woman، لقد لعب بالكاميرا مثل الطفل.

هل أنت متفائل؟ أو ربما من المستحيل أن تكون متفائلاً وبولندياً في نفس الوقت؟

علي أن أقر بشعوري بالتفاؤل على مستوى الأحداث في العامين الماضيين، حيث صنعت حركة التكافل وعياً مجتمعياً في بولندا بعد سنوات طويلة من اللامبالاة... وأعتقد أن هؤلاء الناس بوعيهم الذاتي، سينتصرون.

أظن أنني سمعت منك نفس أصداء التقاليد الخيالية والبطولية للأدب البولندي في كلماتك؟

 

أعتقد ذلك، لا تزال التقاليد موجودة، فالصورة التي نود لبلدنا أن تكون عليها لا تزال في مخيلتنا خارج هذا الواقع في بولندا؛ هي صورة لنظام أفضل ودولة أحسن.

© 2024 by Omar Aljaghthami.

bottom of page